الخميس، 10 يونيو 2010

وقفات مع سورة يوسف

الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } * { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } * { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } * { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } * { وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } * { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }
هذا الدرس هو المقدمة، ثم الحلقة الأولى من القصة، وتتألف من ستة مشاهد، وتبدأ من رؤيا يوسف إلى نهاية مؤامرة إخوته عليه، ووصوله إلى مصر.. وسنواجه النصوص الواردة فيه مباشرة، بعد ذلك التقديم السابق للسورة، وفيه غناء:{ الر. تلك آيات الكتاب المبين. إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون. نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هـذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين }..ألف. لام. را... { تلك آيات الكتاب المبين }..هذه الأحرف وما من جنسها وهي قريبة للناس متداولة بينهم. هي هي بعينها تلك الآيات البعيدة المتسامية على الطاقة البشرية. آيات الكتاب المبين. ولقد نزله الله كتاباً عربياً مؤلفاً من هذه الأحرف العربية المعروفة:{ لعلكم تعقلون }..وتدركون أن الذي يصنع من الكلمات العادية هذا الكتاب المعجز لا يمكن أن يكون بشراً، فلا بد عقلاً أن يكون القرآن وحيا. والعقل هنا مدعو لتدبر هذه الظاهرة ودلالتها القاهرة.ولما كان جسم هذه السورة قصة فقد أبرز ذكر القصص من مادة هذا الكتاب، على وجه التخصيص:{ نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن }..فبإيحائنا هذا القرآن إليك قصصنا عليك هذا القصص ـ وهو أحسن القصص ـ وهو جزء من القرآن الموحى به.{ وإن كنت من قبله لمن الغافلين }..فقد كنت أحد الأميين في قومك، الذين لا يتجهون إلى هذا النحو من الموضوعات التي جاء بها القرآن، ومنها هذا القصص الكامل الدقيق.هذه المقدمة إشارة البدء إلى القصة..ثم يرفع الستار عن المشهد الأول في الحلقة الأولى، لنرى يوسف الصبي يقص رؤياه على أبيه:{ إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت، إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر. رأيتهم لي ساجدين. قال: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك، فيكيدوا لك كيداً. إن الشيطان للإنسان عدو مبين. وكذلك يجتبيك ربك، ويعلمك من تأويل الأحاديث، ويتم نعمته عليك، وعلى آل يعقوب، كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق، إن ربك عليم حكيم }..كان يوسف صبياً أو غلاماً؛ وهذه الرؤيا كما وصفها لأبيه ليست من رؤى الصبية ولا الغلمان؛ وأقرب ما يراه غلام ـ حين تكون رؤياه صبيانية أو صدى لما يحلم به ـ أن يرى هذه الكواكب والشمس والقمر في حجره أو بين يديه يطولها. ولكن يوسف رآها ساجدة له، متمثلة في صورة العقلاء الذين يحنون رؤوسهم بالسجود تعظيماً. والسياق يروي عنه في صيغة الإيضاح المؤكدة:{ إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر }..ثم يعيد لفظ رأى:{ رأيتهم لي ساجدين }.لهذا أدرك أبوه يعقوب بحسه وبصيرته أن وراء هذه الرؤيا شأناً عظيماً لهذا الغلام.

الاثنين، 9 نوفمبر 2009

الميزان الصحيح لأفضلية العبادة


فإن أهل العبادة قد تقسموا إلى نوعان بحسب تصورهم لأفضل العبادة وأجلها، من حيث التركيز والتفضيل، فنوع آثر أن يتقيد بشكل واحد من أشكال التقرب والرقي في التعبدات معتقدا بأن ذلك الشكل هو الأفضل والأنسب والأجل والأنفع للتقرب أكثر إلى الله سبحانه وتعالى، فمنهم من اختار تحمل المشاق اعتقادا منهم بأنما "لاتستقيم النفوس إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق،... وأن الأجر على قدر المشقة"كما قال ابن القيم، ومنهم من آثر الزهد في الدنيا، والتقلل من ملذاتها واعتقد أن ذلك أفضل من درجة العلم والعبادة، ومن هؤلاء من زهد في الدنيا اعتقادا منه أن ذلك يجمع الهمة ويفرغ القلب لمحبة الله تعالى والإنابة إليه سبحانه، ومنهم من اعتقد أن أفضل العبادات هو ما كان نفعه متعد إلى الغير، أي قضاء حوائج الناس والاشتغال بمصالحهم. وكل هؤلاء هم من أهل العبد المقيد كما سماهم ابن القيم، ذلك لأنهم يخصصون شكلا وحيدا ومعينا للتقرب إلى الله سبحانه، فتكون نتيجتهم أنه كما قال ابن القيم"متى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته. فهو يعبد الله على وجه واحد" انتهى كلام ابن القيمأما النوع الثاني فهم أصحاب التعبد المطلق، أي الذين لايخصصون شكلا واحدا للتقرب إلى الله في العبادة، فهم الذين يعتقدون أن أنفع العبادات وأفضلها من كانت في مرضاة الله في كل وقت بحسب مايقتضيه ذلك الوقت وواجبه، فأفضل العبادات في وقت دخول الصلاة هو الاستعداد لها وضوءا وذهابا إلى المسجد وصلاة جماعية، وأفضل العبادات في وقت الجهاد هو الجهاد حتى ولو ترك القيام والصيام، والأفضل في وقت ضرورة خدمة المحتاج والضعيف، هو مساعدته وتقديم يد العون له، والأفضل في وقت العشر الأواخر من رمضان هو لزوم المسجد والاعتكاف بعيدا عن مخالطة الناس والاشتغال بهم، "وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل لايزال منتقلا في منازل العبودية. كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى. فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره. فإن رأيت العلماء رأيته معهم. وإن رأيت العباد رأيته معهم. وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم. وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم. وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم" انتهى كلام ابن القيم، وجعلنا الله مثل هؤلاء الخدام لدينهم، المجيبين فورا لمايتطلبه واجب وقتهم آمين.
وإلى الحلقة المقبلة مع أركان ومراتب العبادة علما وعملا
مدارج السالكين لابن القيم

الاثنين، 24 أغسطس 2009

مضمار الصالحين

افتخر النهار علي الليل قائلاً : أنا وقت النشاط و العمل و البناء و النماء بل أنا الحياة على الحقيقة في ساعاتي انتصر جند الله على مر العصور فسائل عني طلائع الفتوح و بشائر النصر و بي أقسم الله في كتابه فقال : { و النهار إذا تجلى } .اغتر النهار بصمت الليل و سكونه فتمادى في الفخر و حقره قائلاً : أما أنت فزمان الكسل و الخمول و الدعة فأوقاتك تُعمر بالنائمين الخاملين , أنت بيت الذعر و الخوف فبك يفرح اللصوص و أرباب الجرائم .انتفض الليل من سكونه و نطق قائلاً : أنا زمن السكون و الراحة جعلني الله سكناً و لباساً لعباده , أنا مأوى العُبَّاد و أرباب الإحسان فلهم معي أحاديث و أسمار ، كم فرح بي ألأنبياء و الأتقياء و الصالحون و كم كان سوادي ستراً لمسرى الأنبياء أحرسهم من أعين الأعداء , أسحاري لذة العارفين و سلوة الخائفين و ملاذ المذنبين , أقسم الله بي في القرآن بل سميت بي سورة من سوه ، في ثلثي الأخير ينزل الرب جل وعلا .طأطأ النهار رأسه خجلاً و حياءً و اتجه إلى الليل يقبل رأسه و يعترف له بالفضل. إنه الليل مضمار الصالحين فيه يصفُّ أهل الحب الصادق أقدامهم بين يدي سيدهم جل ذكره فيه تكون لذة المناجاة و جميل التضرع و حلاوة الاستغفار : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} ، و فيه يفرح المخلصون فهو وقتهم الذهبي للمسارة بالعمل .. فيه أزمنة شريفة ، فيه ينزل الرب إلى السماء الدنيا جل وعز ، فتفتح أبواب الرحمات وتجاب الدعوات ، وتقال العثرات قلت للــيل هل بجوفك ســر عابق بالحديث والأسرارقال لي : لم ألق في حياتي حديثاً كحديث السمار في الأسحار[يا ليل كم من توبة فيك رفعت وقبلت يا ليل كم من رقبة فيك أعتقت يا ليل كم من هائم فيك وجد بغيته ياليل كم للمحبين فيك من أسرار وللصادقين فيك من أخبار] الليل له مع النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه و الصالحين و الأخيار من بعدهم قصص و أخبار يقول عز وجل لرسوله و مصطفاه (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) فامتثل الحبيب عليه الصلاة والسلام أمر ربه فقام وأطال في القيام ، وبكى وأطال في البكاء .عن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال عبد الله بن عمير : حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت : قام ليلة من الليالي فقال : يا عائشة ! ذريني أتعبد لربي قالت : قلت : والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك قالت : فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ ! قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها : { إن في خلق السماوات والأرض } رواه ابن حبان و صححه الألباني .وصف الله الصالحين من عباده في الليل فقال (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فكانت بيوتهم في ظلام الليل مدارس تلاوة وجامعات تربية ، ومعاهد إيمان حتى أن أحدهم يكون في حراسة جيش المسلمين فيأسره سواد الليل فلا يملك نفسه إلا أن يصف قدميه متهجداً لله ، فهذا عباد بن بشر يكون حارساً للجيش في الخلاء فيسحره سكون الليل و هدأة الناس فلا يملك نفسه من أن يصف قدميه لله قائماً و ساجداً يترنم بالقرآن فيبصره العدو و يرسل إليه سهماً و عباد يترنم بسورة الكهف فيصيبه السهم فينزعه و يسترسل في صلاته فتتابعت عليه السهام فيوقظ صاحبه فيقول له سبحان الله أفلا أيقظتني قال كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها و أيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها. و عن عائشة رضي الله عنها قالت في حديث الهجرة الطويل : (ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن ) رواه البخاري و عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلن يصلي ما شاء الله حتى إذا كان آخر الليل يعظ أهله يقول : الصلاة الصلاة و يتلوا : { و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها } ) رواه أبو داود قال الحافظ ابن كثير عن ليل عمر : [ كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته ، فلا يزال يصلي إلى الفجر ]لقد كان الصالحون يتلذذون بالليل و قدومه فلا تسل عن فرحهم إذا ظفروا به لسان حالهم (حبيب جاء على فاقة ) . قال أبو سليمان الدارني رحمه الله : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم و لولا الليل ما أحببت الدنيا .وقال ثابت البناني رحمه الله : ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل .وقال بعض السلف : إني لأفرح بالليل حين يقبل لما يلّتذ به عيشي وتقر به عيني من مناجاة من أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه .و قال عمر بن ذر رحمه الله: لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل السآمة والغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم من الضجعة والنوم قاموا إلى الله فرحين مستبشرين بما قد وهب لهم من حسن عبادة السهر وطول التهجد فاستقبلوا الليل بأبدانهم وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة ولا ملت أبدانهم من طول العبادة فأصبح الفريقان وقد ولى عنهم الليل بربح وغبن أصبح هؤلاء قد ملوا النوم والراحة وأصبح هؤلاء متطلعين إلى مجيء الليل للعبادة شتان ما بين الفريقين .قيل للحسن ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره .و قيل لحسان بن سنان رحمه الله ما تشتهي ؟ قال : ليلة بعيدة الطرفين أحيي ما بين طرفيها .وقال بعض العلماء : لذة المناجاة ليست من الدنيا إنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم. وقال ابن المنكدر رحمه الله : ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث قيام الليل ولقاء الإخوان والصلاة في الجماعة .أخي تلك نعمة ولذة ربما حرمنها على مدار العام و من رحمة الله بنا أن بلّغنا شهر رمضان لنتذوق ذلك النعيم فلا أقل من أن نتشبه بأولئك القوم في شهر رمضان لعل الله أن يلحقنا بهم فدونك شهر رمضان ، دونك وقت السحر وقت النزول الإلهي , دونك مضمار الربح فلا تضيع الفرصة فقد كان صلى الله عليه و سلم و أصحابه و الصالحون من بعدهم يبتهلون ليالي شهر رمضان و يشغلونها بأنواع العبادات فدونك مضمار الصالحين .