الاثنين، 9 نوفمبر 2009

الميزان الصحيح لأفضلية العبادة


فإن أهل العبادة قد تقسموا إلى نوعان بحسب تصورهم لأفضل العبادة وأجلها، من حيث التركيز والتفضيل، فنوع آثر أن يتقيد بشكل واحد من أشكال التقرب والرقي في التعبدات معتقدا بأن ذلك الشكل هو الأفضل والأنسب والأجل والأنفع للتقرب أكثر إلى الله سبحانه وتعالى، فمنهم من اختار تحمل المشاق اعتقادا منهم بأنما "لاتستقيم النفوس إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق،... وأن الأجر على قدر المشقة"كما قال ابن القيم، ومنهم من آثر الزهد في الدنيا، والتقلل من ملذاتها واعتقد أن ذلك أفضل من درجة العلم والعبادة، ومن هؤلاء من زهد في الدنيا اعتقادا منه أن ذلك يجمع الهمة ويفرغ القلب لمحبة الله تعالى والإنابة إليه سبحانه، ومنهم من اعتقد أن أفضل العبادات هو ما كان نفعه متعد إلى الغير، أي قضاء حوائج الناس والاشتغال بمصالحهم. وكل هؤلاء هم من أهل العبد المقيد كما سماهم ابن القيم، ذلك لأنهم يخصصون شكلا وحيدا ومعينا للتقرب إلى الله سبحانه، فتكون نتيجتهم أنه كما قال ابن القيم"متى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته. فهو يعبد الله على وجه واحد" انتهى كلام ابن القيمأما النوع الثاني فهم أصحاب التعبد المطلق، أي الذين لايخصصون شكلا واحدا للتقرب إلى الله في العبادة، فهم الذين يعتقدون أن أنفع العبادات وأفضلها من كانت في مرضاة الله في كل وقت بحسب مايقتضيه ذلك الوقت وواجبه، فأفضل العبادات في وقت دخول الصلاة هو الاستعداد لها وضوءا وذهابا إلى المسجد وصلاة جماعية، وأفضل العبادات في وقت الجهاد هو الجهاد حتى ولو ترك القيام والصيام، والأفضل في وقت ضرورة خدمة المحتاج والضعيف، هو مساعدته وتقديم يد العون له، والأفضل في وقت العشر الأواخر من رمضان هو لزوم المسجد والاعتكاف بعيدا عن مخالطة الناس والاشتغال بهم، "وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل لايزال منتقلا في منازل العبودية. كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها، واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى. فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره. فإن رأيت العلماء رأيته معهم. وإن رأيت العباد رأيته معهم. وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم. وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم. وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم" انتهى كلام ابن القيم، وجعلنا الله مثل هؤلاء الخدام لدينهم، المجيبين فورا لمايتطلبه واجب وقتهم آمين.
وإلى الحلقة المقبلة مع أركان ومراتب العبادة علما وعملا
مدارج السالكين لابن القيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق