الأحد، 16 أغسطس 2009

آلهم بلغنا رمضان


دعاء يشق عنان السماء منذ قرابة الشهرين، ينطلق من قلوب المشتاقين إلى رمضان وليالي رمضان ومساجد رمضان وإلى الصيام والقيام وصلة الأرحام.

دعاء تعلمناه من رسولنا العظيم- صلى الله عليه وسلم- الذي عاش الأنس بالله في رمضان، وعرف حلاوةَ التهجد والمناجاة في رمضان، وأنزل الله عليه القرآن في ليلةٍ مباركةٍ من ليالي رمضان، وكان يجتهد في رمضان أكثر مما يجتهد في غيره.

دعاء مَن يعلم أن رمضان محطة للتزود لباقي العام ولشحن بطارية الإيمان عسى أن ينظر الله إلينا نظرةَ رحمة في أول ليالي رمضان فنسعد بها طوال الشهر العظيم، ثم تكتمل سعادتنا بطاعة الله إلى رمضان المقبل؛ حيث تعلمننا من رسولنا صلى الله عليه وسلم أن رمضان إلى رمضان والجمعة الى الجمعة والعمرة الى العمرة مكفرات لما بينها من الذنوب ما اجتنبنا الكبائر.

دعاء مَن يعلم أن الأرواح والنفوس بيد الله تعالى، وأن الأعمار مقدرة عند الله عز وجل، وأن الصحة والسقم هما ابتلاءٌ من الله للعبد، بالخير والشر فتنة، وأن الإقامة والسفر هي من قدر الله عز وجل، فيريد أن يتم الله عليه نعمته فيرى طلعة الهلال وهو صحيح مقيم مؤمن مقبل على طاعة الله، مشتاقٌ للقرآن والصلاة وصلة الأرحام وبر الفقراء والإحسان إلى المساكين وإخراج الزكاة والتزود من النوافل؛ حيث ثواب النافلة كثواب الفريضة عند الله في رمضان.

دعاء مَن ينتظر رمضان إلى رمضان، لينفض غبار الكسل ويعالج ضعف الهمة، ويخرج من طور الفتور إلى النشاط والعزم والفتوة، فيعد لرمضان العدة وينوي نيةً صالحةً، ويتوب إلى الله تعالى توبةً نصوحًا قبل رمضان، فيدخل الشهر وهو كامل العدة وعلى أتمِّ استعدادٍ للتزود من رمضان، فلا تضيع منه لحظةً واحدةً من اللحظات الثمينة التي يُضاعف الله فيها الحسنات، ولا تمر أيام وليالي رمضان عليه قبل أن تكتمل أهبته وتقوى عزيمته، فتمر الليالي سراعًا، وينقضي الشهر مهرولاً، وهو ما زال يعيش بين الأماني الخادعة وسراب التمنيات.

ها هي الأيام انقضت، وكرت شهور العام سريعًا ليقبل علينا رمضان من جديد، ونتطلع بعد أيامٍ إلى هلال الشهر الكريم، فهل وقفنا مع أنفسنا وقفةَ حسابٍ لنجرد حسناتنا وسيئاتنا خلال عامٍ انقضى فنحمد الله تعالى على ما منَّ به علينا من طاعةٍ وتفضل به علينا من نعم، فنوفي حقَّ الله علينا ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم: من الآية7)، ونتوب إلى الله تعالى عن ذنوبنا وتقصيرنا في حقِّه ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (النور: من الآية 31).

فنستقبل رمضان بصفحةٍ بيضاء؛ حيث يتوب الله على مَن تاب، ويقبل الله التائبين، فالتائب من الذنب كمَن لا ذنب له.

علمنا رسولنا- صلى الله عليه وسلم- أن الكيّس مَن دان نفسه، وها هي محطة سنوية للحساب والمراجعة، قبيل رمضان، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيأوا للعرض على الله.

مع كل صلاة، وفي كلِّ قنوتٍ ترتفع أكفَّ الضراعة إلى الله في السجود والقنوت تدعوه أن يبلغنا رمضان، فهلا أعددنا أنفسنا لرمضان، وهل رتبنا أوقاتنا في رمضان، وهل خططنا لأيام وليالي رمضان بحيث لا تضيع منا الفرص العظيمة والأوقات الثمينة.

رمضان شهرٌ للصوم والقرآن، رمضان شهر للصلاة والتهجد والقيام.
رمضان شهرٌ لصلة الأرحام وزيارة الجيران.

رمضان شهرٌ للبر والإحسان، والزكوات والصدقات، رمضان شهرٌ للمدارسة والمذاكرة والقراءة والاطلاع.

رمضان ليس شهرًا للطعام والشراب والمسلسلات، بل هو شهرٌ للصوم والعطش والجوع والحرمان.

رمضان ليس شهرًا للجلوس أمام التلفاز وقضاء الوقت مع المسلسلات بل هو شهرٌ للعكوفِ على القرآن تلاوةً وحفظًا وفهمًا وتدبرًا، رمضان ليس شهرًا للتسكع في الطرقات واللهو طوال الليل والجلوس في المقاهي والكافيهات، بل هو شهر تصطف فيه الأقدام في المحاريب في المساجد والبيوت ركعًا سجدًا بين يدي الله.

رمضان شهرٌ يُذكِّرنا بوحدة الأمة الإسلامية وعالمية الدعوة المحمدية، فهناك أمة واحدة تصوم الشهر الكريم- مهما اختلفت في بداية شهر الصوم-، وتقوم لله رب العالمين، ربها الواحد الأحد، وتتجه إليه مع غروب كل شمس تتذكر نعمته عليها أن هداها للإسلام ولطاعته، فله صامت، وعلى رزقه أفطرت وجنته ترجو، ومغفرته ورحمته غاية رضاها، وعليه تتوكل، ترجو رحمته وتخشى عذابه، وتطلب منه أن يخرجها من الظلم إلى العدل، ومن الشقاء إلى الرحمة، ومن الاستبداد إلى الحرية، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن الفرقة إلى الوحدة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الذل إلى العزة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: من الآية 8).

ها هو رمضان أقبل، فأروا الله منكم خيرًا، وتوبوا إليه واستغفروه وصوموا صومًا حقيقيًّا خالصًا لله رب العالمين، وقوموا لله قانتين وأقبلوا على القرآن العظيم، وأحسنوا للفقراء والمساكين، وتذكروا إخوانكم المستضعفين في العراق وفلسطين وكونوا بمشاعركم ودعائكم مع المجاهدين الصامدين في وجه الاحتلال في كل مكان.

واجتهدوا في العمل والدعاء وبذل الجهد والطاقة من أجل وحدة المسلمين في كل بقاع الأرض، هؤلاء الذين وحَّدهم رمضان والصيام، فمتى ينبذوا الفرقة والاختلاف ليكونوا يدًا واحدةً على عدوهم المتربص بهم.

رمضان شهر العمل والإنتاج وليس شهر النوم والكسل والقعود.. فاعملوا وابذلوا وأروا الله منكم خيرًا.. تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير.
د عصام العريان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق